إعداد: تهاني الفضل
التنشئة الاجتماعية واسعة، ويتسع نطاقها بدءًا من آداب المائدة إلى التعاليم الدينية، ومن الاتجاهات الدينية تتسع معاني الاقتصاد والادخار وأساليبه، ومن المنزل والتعامل مع الأب والأم والأخوة، إلى المجتمع من الأقارب والمعلمين والأصدقاء.
تتعدد عناصر التنشئة الاجتماعية وتتفاوت في بساطتها وتعقيدها، فالطفل يتعلم معظم التدريبات والآمال والمعاني دون أن يشعر بذلك شعورًا واضحًا، فقد يكتسب من الرفاق بعض الأساليب الاجتماعية وبعض معايير النجاح، فعملية التطبيع الاجتماعي تختلف من حيث بساطتها وتعقيدها من مجتمع إلى آخر، فلكل مجتمع نموه التاريخي وأنماطه الثقافية العامة، ومشكلاته وحاجاته، وفي المجتمعات البسيطة تتحكم التقاليد والعادات في عملية التطبيع الاجتماعي، أما في المجتمعات المعقدة فإن العملية تكون معقدة أكثر، فلا يقتصر على تقليد
الأبناء إنما يكون لديهم أنماط مختلفة، وقد تكون متعارضة مع الأهل، فيجب تقبل ما يختارونه منها وتوجيه سلوكهم على ضوئها.
المقصود بالتربية الاجتماعية: تأديب الولد منذ نعومة أظفاره على التزام آداب اجتماعية فاضلة، وأصول نفسية نبيلة تنبع من العقيدة الإسلامية، والشعور الإيماني العميق، ليظهر الولد في المجتمع على خير ما يظهر من حسن التعامل، والأدب والاتزان والعقل الناضج، والتصرف الحكيم...
وهذه المسؤولية في التنشئة من أهم المسئوليات لدى الآباء، بل هي حصيلة التربية الإيمانية، والخلقية والنفسية، لكونها الظاهرة السلوكية والوجدانية التي تربي الولد على أداء الحقوق، والتزام الآداب والرقابة الاجتماعية، وحسن التعامل مع الآخرين.
بعض الوسائل العملية التي تؤدي إلى تنشئة اجتماعية فاضلة:
غرس الأصول النفيسة النبيلة التي لا تتكامل إلا بتحقيقها، وهي بالوقت نفسه قيمة إنسانية خالدة والتي يسعى الإنسان إلى غرسها بأبنائه:
التقوى: فتقوى الله هي منبع الفضائل الاجتماعية كلها، والسبيل الوحيد في اتقاء المفاسد والشرور والآثام والأشواك، بل هي الوسيطة الأولى التي توجد في الفرد وعيه الكامل لمجتمعه، ولكل من يلتقي معهم من أبناء الحياة. ولقد أكد عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله ) التقوى ها هنا ( ما يؤكد أهمية هذا الأصل في التربية الاجتماعية ولا سيما في النهي عن مساس الكرامة، والإضرار بالناس.
الأخوة: هي رابطة تورث الشعور العميق بالعاطفة والمحبة والاحترام.. فهذا الشعور الأخوي الصادق يولد في نفس المسلم أصدق العواطف النبيلة في اتخاذ مواقف إيجابية من التعاون والإيثار والرحمة والعفو عند المقدرة، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ (سورة الحجرات، آية: 10).
وقال -عليه الصلاة والسلام-: ) مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ( أخرجه البخاري ومسلم. فيجب أن نُنشِّئ أبناءنا على خُلق الأخوة والمحبة.
الرحمة: هي رقة في القلب وحساسية في الضمير تستهدف الرأفة بالآخرين والعطف عليهم، وتهيب بالمؤمن أن ينفر من الإيذاء، ويبعد عن الجريمة ويصبح مصدر خير وبر وسلام للناس أجمعين: قال -عليه الصلاة والسلام-: ) الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ( أخرجه الترمذي وأبو داود وأحمد. فعلى هذا الخُلق النبيل نُنشِّئ أبناءنا.
الإيثار: هو خُلق نبيل يترتب على تفضيل الإنسان غيره ويقصد به وجه الله تعالى، ويدل على صدق في الإيمان وصفاء السريرة وطهارة النفس، وهو دعامة كبيرة من دعائم التكامل الاجتماعي، قال -سبحانه وتعالى-: ﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾ (سورة البقرة، آية: 237). فهذا الخلق العظيم من العفو والصفح والتسامح والحلم يدل على إيمان راسخ وأدب إسلامي رفيع.
التزام الآداب الاجتماعية العامة: من القواعد التي وضعها الإسلام في تربية الولد اجتماعيًّا تعويده منذ نعومة أظافره على آداب اجتماعية عامة أدبنا عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أحاديثه الشريفة، مثل: آداب الشراب وآداب الأكل. عن عائشة رضي الله عنها قال -عليه الصلاة والسلام-: ) إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى، فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل: باسم الله أوله وآخره ( رواه أبو داود والترمذي.
وقال -عليه الصلاة والسلام-: ) يا غلام سَمِّ الله وكل بيمينك وكل مما يليك ( وعن ابن عباس رضي الله عنهما ) أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه (.
إن من أهم العلاقات التي يعيشها الابن هي بشكل خاص مع أفراد أسرته، إلا أننا نريد أن يكون له علاقة جيدة مع الآخرين من أقارب وأصدقاء، فمن الآداب التي نربي أبناءنا عليها في التعامل مع الآخرين: آداب السلام، والاستئذان، والعطاس، وغيرها من الآداب الاجتماعية.
قال -سبحانه وتعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ﴾ (سورة النور، آية: 27).
وقال -عليه الصلاة والسلام-: ) يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير ( رواه الشيخان.
قال -سبحانه وتعالى-: ﴿ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ (سورة النور، آية: 59).
وقال -عليه الصلاة والسلام-: ) الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك وإلا فارجع (.
روى ابن السني وأبو داود عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ) إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله تعالى واستغفرا، غفر الله عز وجل لهما (.
من الآداب الاجتماعية الهامة التي يجب على الأهل أن يهتموا بها هي أدب الحديث والكلام مع الآخرين، وكيف يستمع منهم، وكيف يحاورهم.
مراعاة حقوق الآخرين: مثل حق الوالدين، والمعلم، والأرحام، والكبير، والرفيق، فيجب تدريب الأبناء وتنشئتهم على احترام الوالدين قال تعالى: ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ (سورة الإسراء، آية: 24).
فيعتبر احترام الوالدين وبرهما من أفضل الحقوق ومنبع الفضائل الاجتماعية، فمن السهل على الولد الذي تربى على بر والديه واحترامهما أن يتربى على احترام الجار والكبير والمعلم واحترام الناس جميعًا. فهذه الآداب تدل على أن الإسلام دين اجتماعي جاء لإصلاح المجتمعات الإنسانية.
لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح أولها، فما على الوالدين والمربين إلا أن يربوا هذا الجيل الناشئ على هذه الآداب الاجتماعية الفاضلة، وأن يبدءوا معهم منذ الصغر لتكون الثمرات أفضل، والنتائج أحسن، والله سبحانه سيثيبهم خيرًا.
المراجع:
· ( كيف تربي طفلك ) أ.د. محمد علي المرصفي.
· ( تربية الأولاد في الإسلام ) د. عبد الله ناصح علوان.
http://www.al-islam.com/Content.aspx?pageid=1131&ContentID=2349
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق