الثلاثاء، 1 نوفمبر 2011

العنف الأسري في نظر علم الاجتماع ضريبة الحضارة والتنمية الحديثة


يؤكد الدكتور ناصر محمد المهيزع ,استاذ علم الاجتماع, أن ظاهرة العنف الأسري جاءت نتيجة للحياة العصرية، إذ أن من ضرائب التنمية والتحضر ظهور مشاكل اجتماعية لم تكن موجودة في المجتمعات التقليدية. ويشير إلى أنه في مرحلة ما قبل التنمية كانت قضايا العنف الأسري أقل بسبب نمط الأسرة الممتدة التي يوجد فيها الأب والأم والأبناء وأبناء الأبناء وزوجات الأبناء، وهذا هو النمط الذي كان سائداً في ذلك الوقت. وفي ظل هذه الأسرة، تكون السلطة الأسرية موزعة على الأفراد بطريقة شبه متساوية، الأمر الذي يشكل حماية لأفراد الأسرة من تسلط شخص واحد، وإذا حصل اعتداء من شخص من أفراد الأسرة على آخر، فسوف يجد المعتدى عليه مصادر عديدة للدعم والمساندة الاجتماعية فيسهم ذلك في تخفيف مصابه. ويعتقد المهيزع أن تعاون أفراد الأسرة البالغين في أمور الإعالة، يخفف من عوامل الضغط النفسي والإحباط، وهي من المنابع الأولية لمشكلة العنف الأسري.



ينابيع العنف
ويرى أن الحياة في زحام المدينة واشتداد المنافسة على فرص العمل وازدياد الاستهلاك مع ضعف الموارد وانخفاض الدخول وتراكم الديون على الأفراد وعجزهم عن تلبية متطلباتهم الأساسية وضعف الروابط الأسرية، كلها مجتمعة تعد المنبع الذي ينبع منه نهر العنف الأسري. والعنف داخل الأسرة -كما يصفه المهيزع- هو واحد من أشكال العنف التي توجه نحو واحد من أفراد الأسرة وإيقاع الأذى عليه بطريقة غير شرعية. ويتباين العنف الأسري في درجة الإيذاء النفسي والبدني ويراوح ما بين البسيط الذي يؤدي إلى غضب الضحية والشديد الذي قد يودي بها.

عادات مكتسبة
ويرجع المهيزع العنف الأسري من الناحية النظرية إلى سببين رئيسيين هما: التعلم والإحباط، إذ يرى أن العنف والاستجابة بطريقة عنيفة يكونان في بعض الأحيان سلوكاً مكتسباً يتعلمه الفرد خلال أطوار التنشئة الاجتماعية. ويلفت إلى بعض الدراسات التي وجدت أن الأفراد الذين يكونون ضحية للعنف في صغرهم، يُمارسون العنف على أفراد أسرهم في المستقبل. ويعتقد أن القيم الثقافية والمعايير الاجتماعية تلعب دوراً كبيراً ومهماً في تبرير العنف، إذ أن قيم الشرف والمكانة الاجتماعية تحددها معايير معينة تستخدم العنف أحياناً كواجب وأمر حتمي. وكذلك يتعلم الأفراد المكانات الاجتماعية وأشكال التبجيل المصاحبة لها والتي تعطي القوي الحقوق والامتيازات التعسفية أكثر من الضعيف في الأسرة، إذ أن القوي في الأسرة سواء كان أباً أو زوجاً أو أخاً أكبر يتمتع بكل الحقوق والامتيازات التي تضمن له أن يسمعوه ويطيعوا وإلا تعرضوا للأذى الشديد.
الزوج في طليعة المُعتدين
تبين من جميع الدراسات التي تجريها الدول العربية على ظاهرة العنف الأسري في مجتمعاتها أن الزوجة هي الضحية الأولى وأن الزوج بالتالي هو المعتدي الأول.
وعلى سبيل المثال، تصل نسبة الزوج المعتدي في المجتمع المصري الى 9.71 في المئة حسب دراسة أجراها المركز القومي للبحوث في مصر. ويمارس الرجل عادة حقه في توقيع العنف على المرأة أكانت زوجة أو أماً أو ابنة أو أختاً. وتبلغ نسبة الآباء الذين يمارسون العنف في مصر حسب الدراسة السابقة 6.42 في المئة، فيما تبلغ نسبة الأخ المعتدي نحو 37 في المئة.
أما في السعودية، فدلت الدراسات أن 90 في المئة من مرتكبي حوادث العنف الأسري هم من الذكور، وأن أكثر من 50 في المئة من الحالات تخص الزوج ضد زوجته.
في قضية نادرة على غرار ما يحدث في أميركا: الإدعاء العام الكويتي يطالب بفسخ حضانة أب لإبنه بسبب تعذيبه له
صبي كويتي لا يتجاوز عمره الحادية عشرة سنة يعاني ويلات العذاب والضرب المبرح، على يد والده الذي لم يخشَ الله ويراعِ حرمته ويحترم القانون الذي أعطاه حق حضانة ابنه بعد انفصاله عن زوجته، إلا أن الادعاء العام الكويتي وللمرة الأولى قاضى الأب وطالب بفصل حضانته عن إبنه بعد لجوء هذا الأخير أكثر مرة الى السلطات الأمنية.
أم هذا الولد أقامت دعوى ووكّلت المحامي نواف الفزيع الذي تحدث الى "لها" قائلاً: "من محاضر التحقيقات يتضح أن هذا الطفل قام بالهرب من بيت والده الى المخفر أكثر من مرة، والمستندات الرسمية وعلى رأسها تقارير الطبيب الشرعي تبين وجود اعتداء مستمر من الحاضن "الأب" فالأم مطلقة وعلى ذمة زوج آخر فالحضانة تكون هنا للأب الذي لم يحسن رعاية إبنه".
أين الجهة المسؤولة؟
هنا يجب الالتفات الى جهاز الرعاية الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وكلنا شاهدنا وسمعنا عن قضايا في الولايات المتحدة الأميركية من ضرب وتعذيب للأبناء تدخلت بعدها السلطات وقامت بأخذ الأبناء والعناية بهم.
ويضيف الفزيع: "يبرز هنا دور التفكك الأسري إذ أن الأب غير مؤهل لرعاية ابنه، وللأسف فإن محكمة الأحداث حالياً تعاني غياب الباحث الاجتماعي الذي يجب أن تتوافر فيه صفات الطبيب النفسي، ومن واقع قضايا خضتها اكتشفت قصور الباحثين الاجتماعيين وعدم تفهمهم لطبيعة الحدث".
نسأله: وهل يفرق القانون بين الشخص القاصر والشخص الراشد؟ فيجيب: "قانون الأحداث الكويتي لا يعامل الشخص الذي لا يتجاوز عمره 18 سنة على أنه مجرم إنما شخص معرض للانحراف، والغريب أنني سمعت من البعض أنه ليس من الضروري وجود محكمة للأحداث وإنما يجب معاملتهم كمجرمين".
* ولماذا قمتم بمقاضاة زوجة الأب؟
من واقع التقارير الطبية التي في حوزتي وصل التعذيب والضرب المبرح الى ارتجاج في الدماغ وزوجة الأب متهمة طبعاً بحسب شكوى الطفل. وللأسف فقد وصل مستوى هذا الطالب الى درجات متأخرة جداً رغم أنه كان من المتفوقين.
* وما عدد القضايا المرفوعة ضد الأب؟
ثلاث دعاوى أقامها الإدعاء العام ضده منها حالة سلب حضانة.
* وأي الجهات التي ستتولى حضانة الابن في حال كسبه للقضية؟
المتعارف عليه هو دار الرعاية الاجتماعية ولكني أتمنى من القضاء الكويتي الذي يثق به الجميع أن تكون الحضانة للأم لأنها أرحم لهذا الطفل من ويلات العذاب التي ذاقها على يد أبيه.
ذنبها أنها متفوقة
رواية أخرى لا ذنب فيها لابنة متفوقة في الجامعة تتعرض أسبوعياً مرتين أو ثلاثاً على الأقل للضرب على يد والدها (س. ف) وذنب الابنة أنها تتواصل مع العلم وتشاهد الانترنت لكن الوالد سمع من الحاسدين والجيران بحيوية الابنة ففهم ذلك تمرداً وعيباً وشذوذاً فعاملها بالضرب حتى أنها فقدت شهيتها الدراسية فتراجع مستواها، والآن هي تحت رحمة أبيها الظالم كما وصفته المحامية تنتظر عريس المستقبل الذي يحدده الوالد وهي مكرهة.
هذه هي المشكلة فما هو الحلّ؟
يعتقد المهيزع أنه من الضروري تقديم استشارات نفسية واجتماعية وأسرية للأفراد الذين ينتمون الى الأسر التي ينتشر فيها العنف، إضافة إلى وجوب تدخل الدولة في أمر نزع الولاية من الشخص المكلف بها في الأسرة إذا ثبت عدم كفاءته للقيام بذلك وإعطائها إلى قريب آخر مع إلزامه بدفع النفقة، وإذا تعذر ذلك يمكن إيجاد ما يسمى الأسر البديلة التي تتولى رعاية الأطفال الذين يقعون ضحايا للعنف الأسري. ويبيّن المهيزع أن من الحلول التي تساهم في التخفيف من العنف الأسري في المجتمعات وجود صلة بين الضحايا وبين الجهات الاستشارية المتاحة وذلك عن طريق إيجاد خطوط ساخنة لهذه الجهات يمكنها تقديم الاستشارات والمساعدة إذا لزم الأمر. وأخيراً، هناك مسألة الوعظ والإرشاد الديني المهم لحماية المجتمع من مشاكل العنف الأسري، إذ أن تعاليم الدين الإسلامي توضح أهمية التراحم والترابط الأسري، وهناك العديد من النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة التي تظهر منها أهمية ذلك الأمر منها قول الرسول عليه الصلاة والسلام: "ليس منّا من لا يرحم صغيرنا ولا يوقر كبيرنا".
رأي الدين: الرأفة والإحسان أساس العلاقة الأسرية السليمة
عن موقف الشرع الإسلامي من العنف الأسري يقول الشيخ عمر العلي من سورية: "نظر التشريع الإسلامي الى بناء أمة تقوم أسسها على الاستقرار والأمن والعدالة. لذلك حرم الظلم بين الأفراد على مختلف أجناسهم وأعمارهم، عملاً بقوله تعالى: (يا عبادي، إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).
وقال رسول الله(ص): (المسلم أخو المسلم لا يظلمه).



ولما كانت علاقة الزوجين بالغة الأهمية، إذ منها تنبثق الأجيال، فقد جعل ترابطهما بعهد وثيق كيانه المعروف والإحسان من كل منهما الى صاحبه: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف). وقد جعل المؤمن (إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يهنها) لئلا يصل الفرد الى حد إهانة الغير أو إيذائه .

http://www.balagh.com/woman/trbiah/420r069h.htm




هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم ورحمة الله
    مدونة رائعة تستحق المطالعة
    تثبلي فائق الاحترام

    علي

    ردحذف