د. غادة سلامة
لازمت ظاهرة عمالة الأطفال الوجود الإنساني خلال مراحل التاريخ البشري، حيث كان العمل بشكل عام يمثل قيمة، فقد دأب الأطفال منذ الأزل على مساعدة أسرهم داخل المنزل وخارجه في الريف والحضر دون أن يعـدّ هذا العمل استغلالاً لهم بل يزيد من تنمية قدراتهم ومواهبهم
خاصة إذا كان نوع العمل قائماً على تعلم حرفة تعود عليهم بالنفع والفائدة على غير نوع العمل الذي قد يضعف من قدراتهم، ويؤثر علي مستوى تعليمهم ويحرمهم من حقوقهم الأساسية وتسلب حريتهم.
ومن ثم فإنه لا يمكن إدانة عمل الأطفال، ويمكن الفصل بين مفهومين من عمل الأطفال
- الأول: إيجابي.
- الثاني: سلبي.
أولا: مفهوم العمل الإيجابي:
يتضمن هذا التعريف كافة الأعمال التطوعية أو حتى المأجورة التي يقوم بها الطفل والمناسبة لعمره وقدراته، ويمكن أن يكون له آثاراً إيجابية تنعكس على نموه العقلي والجسمي والذهني، وخاصة إذا قام به الطفل باستمتاع مع الحفاظ على حقوقه الأساسية؛ لأن من خلال العمل يتعلم الطفل المسؤولية والتعاون والتسـامح والتطوع مع الآخرين . وليست كل أنواع أعمال الأطفال ضارة، فكثير من الأطفال العاملين يوجدون في أطر مستقرة تربوية مع أولياء أمورهم أو تحت حماية وصي، ويمكنهم الاستفادة من حيث الاختلاط الاجتماعي.
غير أن هناك أطفالا كثيرين يلحق بهم العمل ضررا لاشك فيه، والذي يكمن في مفهوم العمل السلبي.
ثانيا: مفهوم العمل السلبي..
هو العمل الذي يضع أعباء ثقيلة على الطفل ويهدد سلامته وصحته ورفاهيته، وهو العمل الذي يستفيد من ضعف الطفل وعدم قدرته على الدفاع عن حقوقه ويستغل عمل الأطفال كعمالة رخيصة بديلة عن عمل الكبار، ويستخدم وجود الأطفال، ولا يساهم في تنميتهم وهو العمل الذي يعيق الطفل، وتدريبهم ويغير حياته ومستقبله.
ولذا قد تمثل ظاهرة عمالة الأطفال مشكلة ملحة من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية ومن ناحية حقوق الإنسان فهي ظاهرة تعاني منها كثير من دول العالم وخاصة دول العالم الثالث حيث تقدر منظمة العمل الدولية بأن هناك حوالي 250 مليون طفل بين سن الخامسة والرابعة عشرة يعملون في الدول النامية وحدها. محرومون من التعليم المناسب والصحة الجيدة والحريات الأساسية، ويدفع كل طفل من هؤلاء ثمنا فادحا لهذه المعاناة حيث أن حوالي 50% منهم أو مايقدرب120مليون يعملون لكل الوقت في حين يدمج العدد الباقي مابين العمل والدراسة ، ويعمل في بعض الحالات 70 % تقريبا من الأطفال في أعمال خطرة، وهناك من بين العدد الكلي هذا حوالي 50 ـ 60 طفل بين سن الخامسة والحادية عشرة ممن يعملون في ظروف يمكن اعتبارها خطيرة؛ نظرا لصغر سن هؤلاء الأطفال وهشاشة قدراتهم وهذا ما يؤثر على شريحة كبيرة من الأطفال.
وتشير تقديرات منظمة العمل الدولية لعام 2000ف أن طفلا من أصل 8 أطفال في العالم أي 179مليون طفل يقوم بأعمال خطرة وضارة في حين يقوم8.4مليون طفل مناضل 179مليون بأعمال تستحق الإدانة قطعاً؛ مثل العبودية والدعارة والتجنيد والإباحية، وكشفت دراسة أعدتها منظمة العمل الدولية أن أكثر من 55مليون طفل تحت سن15سنة يستخدمون كعمال في عدد كبير من الدول كدول إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا . حيث يشتغلون بطرق غير شرعية.
بينما تشير التقديرات العالمية لمنظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة والأمومة لعام 2002 بأن عدد الأطفال العاملين في العالم وصل إلي 325 مليون طفل تتراوح أعمارهم مابين 14-15 سنة، 8 ملايين منهم يمارسون الدعارة والسخرة والصراعات المسلحة.
كما يشير التقرير العالمي لعمالة الأطفال للعام 2002 إلى أن السبب الرئيسي في اختفاء الأرقام الحقيقة لعمالة الأطفال في المنطقة العربية؛ لعدم اعترافها بوجود عمالة أطفال لديها، ولا تعلن عن البيانات والإحصائيات الخاصة بهذه القضية بصورة الواضحة والحقيقية حيث أشارت في بعض إحصائياتها أن نسبة عمالة الأطفال بلغت 15% من نسبة الأطفال العاملين في العالم ككل تليها أمريكا اللاتينية 16% وآسيا 17% وإفريقيا 23%.
نماذج من عمل الأطفال في بعض الدول العربية ...
تعد الجهود البحثية التي أجريت حول ظاهرة عمل الأطفال في البلدان العربية محدودة للغاية مما يصعب معها تحديد طبيعتها والدافع إليها، ولعل الدراسة الوحيدة التي أجريت في الصدد هي الدراسة التي قام بها المجلس العربي للطفولة والتنمية عام 1993 وهي دراسة أجريت على مصر والأردن، والمغرب، ولبنان، واليمن، وفلسطين وسوريا .واتي تمثل نماذج للظاهرة في الدول العربية إضافة إلى ما سبق عرضه من معلومات حول هذه الظاهرة والدراسات السابقة وفي معلومات هذه الدراسة حول عمالة الأطفال في ليبيا.
- عمل الأطفال في مصر ...
إن ظاهرة عمالة الأطفال في مصر من الظواهر التي أضيفت إلى مشكلات المجتمع المصري ولكن الجديد هو الاهتمام بها بعد أن تزايدت أعداد الأطفال العاملين، حيت بلغ ما يقرب من مليون ونصف طفل يعملون في ظروف صعبة، وتشير البيانات الإحصائية إلي أن أعداد الأطفال العاملين في المرحلة العربية من 6-14عاما تبلغ 1.4 ملايين طفل وفقا لنتائج العمالة بالعينة عام 1988، يمثل الأطفال مابين 6-11عاما نسبة 40%بينما تصل نسبة الأطفال العاملين في الأعمار مابين 12-14 عاما إلي 60% وتزيد نسبة العمالة لتصل إلى 17 عاما حيث يحظر القانون المصري تشغيل الأطفال تحت سن 12 سنة.
ورغم أن هذه المعلومات تعد قديمة نسبياً إلا أن مؤشرات كثيرة تؤكد أن هذه العبارات في ازدياد، وهو ما يعكس مناخاً اجتماعياً يتعلق بهذه الشريحة رغم تحريم القانون بتشغيل الأطفال ممن هم دون الثامنة عشرة عاماً وهذه الوضعية ترتبط بحالة الفقر والبطالة وانخفاض مستوى الدخل للأغلبية المستحدثة من أبناء الشعب المصري.
- عمل الأطفال في المغرب ...
تبلغ نسبة الأطفال العاملين في المغرب 15.1% من البنين والبنات على الرغم من أن التشريع المغربي يحظر عمل الأطفال دون سن الرابعة عشرة وأن عمالة الأطفال في المغرب هي إلى حد بعيد ظاهرة ريفية فهي تمثل 19% من الأطفال المغاربة العاملين في الريف و3% من الأطفال العاملين في الحضر ، وتشير دراسة أعدت في عام 2001 أجراها معهد (فافو للعلوم الاجتماعية التطبيقية ) أن ما بين 66000،86000 طفلة تحت الخامسة عشرة يعملن كخادمات منازل، ووجد بحث بالعينة أجرته الحكومة سنة 2001 أن13580 طفلة تحت سن الخامسة عشرة يعملن كخدم منازل في منطقة الدار البيضاء وحدها.
ووفقا للدراسة المشتركة التي أجرتها منظمة العمل الدولية واليونيسيف والبنك الدولي أكثر من نصف الأطفال العاملين المغاربة لم يدخلوا مدارس إطلاقا وأغلب الباقين (41%) التحقوا بالدورة الأولي من التعليم الأساسي فقط.
وهذه مؤشرات بالغة الدلالة تلقي بضلالها على أوضاع شريحة هامة من شرائح المجتمع العربي في المغرب وهي تعكس طبيعة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في هذا البلد التي تحول فيه الأطفال الأبرياء إلى خدم في قصور وبيوت الأغنياء، مما تعكس حالة من التفاوت وعدم المساواة رغم كل النصوص الإنسانية التي تحتويها الدساتير وتشير إليها القوانين المحلية.
3-عمل الأطفال في لبنـان ...
تبلغ نسبة عمالة الأطفال في لبنان وكان هذا واضحاً من خلال إحدى الدراسات التي قام بها اليونيسيف في لبنان عن واقع الأطفال العاملين في لبنان والتي بلغت عينتها 103 أطفال عاملين ، وتحدد الموقع الجغرافي في مدينة بيروت وضواحيها، ومدينة طرابلس ومحافظة البقاع ومحافظة الجنوب، أن الأطفال الذين يعملون تحت سن العاشرة تبلغ نسبتهم 21 %،بينما تبلغ نسبة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 10ـ 13 عاماً 43%، كما تقل بين الأطفال في المرحلة العمرية 13ـ 18 سنة إلى نسبة 36%، أما الأطفال الذين يعملون تحت سن ثماني سنوات فلم تشير نتائج التعداد العام للسكان للأعوام 1970ف. 1981ف.1991ف. للمكتب المركزي للإحصاء بدمشق إلى وجود فئة من الأطفال تعمل بدء من سن 6 سنوات ولا يستطيع تحديد حجم الظاهرة أو أعداد الأطفال العاملين في الأعمال المختلفة نظراً إلي قصور البيانات والإحصائيات ،ومع ذلك تشير البيانات المتوفرة إلى أن غالبية الأطفال العاملين ، إنما يعملون في الأعمال الزراعية يليها العمل في المصانع والورش الصغيرة، وتتركز في قطاع الخدمات خاصة عند الفتيات، حيث يعملن كخدم في المنازل ويتمثل في الفئة الأكبر(10- 14 عاماً)
6- عمل الأطفال في فلسطين ...
بالآونة الأخيرة بدأت تنتشر وتتوسع في المجتمع الفلسطيني ظاهرة تشغيل الأطفال حيث يقدر عدد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من 15-17 سنة عام 1998 بحوالي1.25900 طفل أي ما نسبته 6 .34% من مجموع السكان أي يعادل حوالي43.90 طفلاً كما إن من بينهم حوالي 8. 82% يعملون وعددهم 24900 والباقي يبحثون عن عمل ومستعدون له وعددهم 7260 طفل وذلك بالاستناد إلى منهجية القوي العاملة في فلسطين لسنة 1999م.
7- عمل الأطفال في اليمــن ...
يمكن تحديد حجم ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن من خلال المصادر الإحصائية لوزارة التنمية والتخطيط ، حيث تشير تلك الإحصائيات التي تم من خلالها حصر الأطفال العاملين من 10ـ14 عاماً إلى انتشار الظاهرة بشكل يدعو إلى القلق فقد بلغت نسبتهم إلى إجمالي عدد الأطفال في ذات العمر حوالي 23% حيث تبلغ نسبة الفتايات العاملات تحت السن القانونية 4 .21% بينما بلغ النسبة المقابلة لدى الذكور 5 .24% وطبقاً للإسقاطات السكانية التي أعدها الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التنمية والتخطيط لعام 1988 باليمن فقد قدر عدد الأطفال العاملين إجمالا بحوالي 650 .303 طفلاً من إجمالي عدد الأطفال المتدرجين في السن المشار إليها والذي يقدر 970 .317 .1.
رغم كل هذه الدراسات المتعلقة بتشغيل الأطفال التي تعتمد على تقديرات عامة فهي لا تعطي صورة دقيقة عن حجم الظاهرة وخصوصياتها وتكتفي بملاحظات جزئية تسجل في وثائق وتوضع في أرفف المكتبات دون الاستفادة من هذه المعلومات للتعامل مع هذه الظاهرة مما يعوق تكوين صورة حقيقة ظاهرة تشغيل الأطفال يتم في غياب تطبيق صارم للقانون إذ يلجأ أرباب الأعمال إلى تشغيلهم إما بكيفية سرية أو دون أن يصرحوا لدى الجهات المعنية بأنهم يفعلون ذلك، هذا ما يشجعهم على الاستمرار في تشغيلهم لعدم وجود رقابة صارمة من طرف الأجهزة المعنية رغم وجود قوانين تمنع تشغيل الأطفال.
تم عرض نماذج الدول العربية التي تتمركز فيها عمالة الأطفال، وأن عدم تطرقنا إلى دول أخرى ليس لأنها لا توجد فيها عمالة الأطفال، بل أينما وجد الإنسان وكوّن مجتمعات إنسانية وجدت هذه الظاهرة، ولكن الاختلاف يكون في نسبة أعداد الأطفال في العمل لكل بلد علي حده، ورغم ما يشير إليه العرض السابق من نقص واضح في المعلومات والبيانات التي تتيح إمكانية وضع تقديرات أدق لحجم الظاهرة إلا أنها آخذه في الانتشار خروجا عن القانون فالأعداد المقدرة الآن للأطفال العاملين على المستوى العربي تبلغ مابين تسعة وعشرة ملايين طفل عامل تحت السن القانونية.
وتعاني الدراسات في مثل هذه القضايا من نقص حاد في المعلومات والأرقام الدقيقة حيث لا يجد الباحث من المصادر الدقيقة ما يساعده على تسجيل موقف واضح حول هذه القضايا على الرغم من أن المؤشرات المتوفرة تؤكد أن بروز وانتشار ظاهرة عمالة الأطفال تختلف من مجتمع إلى آخر، وأنها تبدو أكثر وضوحاً في بعض المجتمعات وأنها تتأثر بجملة من الأوضاع والظروف والعوامل كالمستوى العام لدخل المواطنين، واتساع شبكة الرعاية الاجتماعية والتزايد السكاني وكفاءة السياسات الاجتماعية التي توضع لمواجهة مثل هذه الظواهر، حيث تؤكد العديد من الدراسات أن المجتمع الليبي من بين المجتمعات العربية التي لم تصل فيها هذه الظاهرة إلى درجة الخطورة والاستفحال وأنها مازالت في إطار ضيق ومحدود وأن أسبابها ودوافعها لا تعود إلى أسباب جدية؛ نظراً لما يوفره المجتمع من رعاية وخدمات لمواطنيه، وما يؤمنه لشريحة الأطفال من أوضاع ساهمت في وقاية الأطفال من الوقوع ضحايا لهذه الظاهرة، وإذا ما بدت بعض المؤشرات لوجود هذه الظاهرة فإن المجتمع مطالب بكل مؤسساته لمواجهتها، ومحاصرة أسبابها، ووضع السياسات المناسبة التي تجعل تأثيرها في أضيق نطاق، وهى جهود سوف يجني المجتمع ثمارها جيلاً نافعاً ومؤهلاً لصنع المستقبل*
المراجع
[1]- علا مصطفي، عزة كريم،عمل الأطفال في المنشآت الصناعية الصغيرة، القاهرة: المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية،1996ف،
ص-1.
2 - http:\\ www. Mp-arsian.com\home\content\vifw\93\44
3 - شادي عيسى، دراسة حول عمالة الأطفال، الأردن: 2005ف http:// www. Mp- arslan- com\ home\cont\riew\93\44
4- مالك مصطفي محمود، عمالة الأطفال قنبلة تهدد نسيج وكيان المجتمعات / مجلة آسية اجتماعية شاملة الرياض http://www.asyesh.com\asyeh-world-php?action=show post &id=951
5- نادر الفرجاني،عمل الأطفال في البلدان العربية،ندوة عمل الأطفال في البلدان العربية، القاهرة:المجلس العربي للطفولة والتنمية،1993ف .
[1] بثينة الديب، حجم وخصائص عمالة الأطفال في مصر، ورقة عمل حول الحد من عمالة الأطفال في مصر، القاهرة: وزارة القوى العاملة ، مكتب العمل الدولي، اليونيسيف، 1995ف.
6- http://www.wds.worldbank.orgsevlet\wdscntentserver wds\2005
7- منظمة العمل الدولية واليونيسيف والبنك الدولي، فهم عمالة الأطفال في المغرب.
8 - ناهد رمزي، ظاهرة عمالة الأطفال في الدول العربية ( نحو استراتيجية عربية لمواجهة الظاهرة ). القاهرة: دراسات وبحوث المجلس العربي للطفولة والتنمية، المجلد الأول1998ف ص-37- 38.
9- نادية التكريتي، دراسة عن عمل الأطفال في الأردن، من بيانات مسح العمالة والبطالة والفقر، ندوة عمل الأطفال في البلدان العربية، القاهرة: المجلس العربي للطفولة والتنمية، 1993ف..
10- ريما الشويكي، شادي جابر، دراسة عن استغلال الأطفال اقتصادياً، فلسطين: المركز الفلسطيني للإرشاد، 1999ف http://www.pcc-jeriorg\arapic\\Articles\Articlay.205htm
11- سيد محمدين، حقوق الإنسان بين النظرية والتطبيق في مجال استراتجيات حماية الطفولة، القاهرة: المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، 2005ف ص 221.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق