الاثنين، 5 سبتمبر 2011

الرعاية الاجتماعية فى الأديان السماوية

                                                                                                                                            أ . زينب ابو الهول

جاءت الأديان السماوية جميعها تدعو إلى الإخاء والتعاون والمساواة والرحمة بين البشر فهى تنادي باحترام الإنسان لأخيه الإنسان ولكرامته , وجاءت تنظيم علاقات الأفراد فيما بينهم , ليسود الاستقرار النفسي والاجتماعي , كما جاءت بمباءئ التكافل والتضامن الاجتماعي واعتبرت الأديان السماوية المعاملة بالمعروف والابتعاد عن المنكرات تجاه البشر تقرباً إلى الله , كمابينت الأديان السماوية مظاهر الرعاية التى تدعو إلى الروابط الإنسانية .
ويمكننا أن نتناول مظاهر الرعاية الاجتماعية فى كل الاديان الثلاثة حسب أولوية ظهورها التي حملتها إلينا اليهودية تليها الديانة المسيحية وكانت الديانة الإسلامية خاتمة الأديان السماوية .
الرعاية الاجتماعية فى الديانة اليهودية
تعتبر الشريعة  الموسوية من أقدم الشرائع السماوية التى عرفت اليهود مبادئ العدل والمساواة بفضل وصايا موسى العشر , وبفضل التعاليم الدينية التى تحدد واجباتهم نحو الله والناس , عرف اليهود الإحسان الحقيقي فكانوا يتصدقون يومياً بالطعام وفى كل يوم  جمعة كان رب العائلة يتنازل عن عٌشر محصوله للرهبان والأغراب واليتامى والأرامل وللفقراء , واهتمت الشريعة الموسوية بتنظيم العدالة الاجتماعية واعتبرت ذلك جزءاً من من العمل المقدس , وتضمنت الشريعة الموسوية العديد من ألوان الرعاية الاجتماعية التى قامت على ثلاث دعائم قوية , وهى الحق والعدل والمساواة .
وتتمثل أوجه الرعاية الاجتماعية فى الديانة اليهودية فى رعاية الفقراء والمحتاجين , وتعتبر ذلك واجب الأغنياء نحو الفقراء والمحتاجين ,ورعاية اليتامى والأرامل , حيث يقدمون عٌشورهم للإنفاق على الفقراء والمساكين , وكانوا يمارسون نظام الشورى باعتبار أن سيدنا موسى عليه السلام لم ينفرد بحكم بنى إسرائيل وحده وتوجيه سياستهم , بل عمل بنظام الشورى , واهتم اليهود بالتعاليم حيث أسس المدارس ووضعت أسس وقواعد للتعليم وكان المعلم يتمتع بمركز ممتاز بالإضافة إلى الرعاية العمالية والذى فيه ينظم العلاقة بين العامل وصاحب العمل .

الرعاية الاجتماعية فى الديانة المسيحية :
جاءت الديانة المسيحية مكملة للديانة اليهودية واستمرار لها فى اتجاهاتها نحو الإحسان , ورعاية المحتاجين وتنظيم علاقات الناس بعضهم ببعض , واهتمت المسيحية بالأيتام والأرامل واعترفت بنظم اجتماعية كالتبنى لليتامى والمساكين وإنشاء بيوت المحبة "الملاجئ " ورعاية الغرباء .
وقد اهتمت الديانة المسيحية بالتعليم كوسيلة لنشر الدين , ورعاية المرضى والمعوقين بنظام القضاء بالصدقات , وكانت الاديرة المسيحية هى المؤسسات التى يقدم عن طريقها تلك الألوان المختلفة من ألوان الرعاية الاجتماعية , بالإضافة إلى نشاط الجماعات الدينية المختلفة التى تقوم بمساعدة الفقراء والمحتاجين بصورة مساعدات مالية , أو تقديم الطعام والملبس والمأوى للمحتاجين .

الرعاية الاجتماعية فى الإسلام :
لقد كانت الديانة الإسلامية خاتمة المطاف فى خط التطور الذى جاءت به الديانات السماوية للنظم والعلاقات الاجتماعية بين الناس , ولقد نجح الإسلام فى إنشاء مجتمع إنساني متوازن متناسق , وفى خلق روح اجتماعية فياضة بالخير تهدف إلى مساعدة المحتاجين عن طريق الإحسان الفردي أوالزكاة , ومسئولية الأقارب عن إعالة ذوى قرباهم , ونظام الوقف الذى يقرر معاشات ثابتة للمحتاجين .
فالرعاية الاجتماعية فى الإسلام إذن تقوم على أساس تلقائى منظم , وفيما يلى عرض لأهم مظاهر الرعاية الاجتماعية فى الإسلام :
أولاً التعايش السلمى :
يهدف الإسلام إلى توفير الطمأنينة النفسية للمجتمع العالمى عن طريق إزالة أسباب الشقاق والتنازع بين المجتمعات والشعوب وتكاتفها ’ لدعم السلام بينها , كما شرع الله الحج لمن أستطاع إليه سبيلة من وسائل التعايش السلمي بين الأمم والشعوب الإسلامية .
قال تعالى ( وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات على مارزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير )"سورة الحج الآيتان 25-26 .
ثانيا – نظام الحكم فى الشريعة الإسلامية :
جاء الإسلام بمبدأ الشورى الذى يقصد به العرف على حاجات الشعب ومواجهتها وصياغة مايراه الأفراد من أمور دينهم ودنياهم فى القالب الذى يلائم الحياة الاجتماعية . قال تعالى " والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون " سورة الشورى , الاية35 .
 ثالثا – النفقة فى الإسلام لتحقيق التكافل الاجتماعى :
وهى تنقسم إلى عدة أنواع والمتمثلة فى الآتى :
1-      نفقة الحضانة :أى دفع النفقة لمن تحتضن طفلاً لرب الأسرة وجعل مسؤولية نفقتة على كاهل والده .
2-      نفقة الصغار : وهى تستحق على والدهم إذا كان قادراً ولا تستحق على والدتهم ولو كانت من الأثرياء .
3-      نفقة الوالدين والأقارب : وهى النفقة التي يستحقها الوالدان أو الأقارب عند عجزهم عن العمل لكبرهما , فقال تعالى :"وقضى ربك ألاتعبدوا إلا أياه وبالوالدين إحساناًإما يبلغن عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً وأخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربِ ارحمهما كما ربياني صغيراً". سورة الإسراء , الآية 23-24 .
4-       رعاية الأيتام : لقد حفظ القران الكريم حقوق الأيتام , ووضع شروطاً لرعايتهم, والمحافظة على أموالهم , وحدد مواقيت تسليمها إليهم , والطريق الذى يحافظ عليها , حيث قال الله تعالى فى ذلك : " ولاتقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لاتكلف نفسا ً إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولوكان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون " .سورة الأنعام  الآية 153.
5-       الإحسان : وهو جزء من العبادات , ومن أركان الإسلام يتمثل فى الزكاة وهى واجبة الأداء , وفى الصدقات وهى اختيارية يؤديها الإنسان , ليطهر نفسه ويكفر عن ذنوبه . قال تعالى : " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم " ,سورة ا لأنعام الآيه 153 , وفى آيه أخرى " وأقيموا الصلاة وآتوالزكاة"
سورة التوبة , الآيه 104.
6-      التعليم : كان المسجد فى الإسلام هو المؤسسة الاجتماعية والثقافية والدينية , ولقد كرم الله – تعالى – العلماء وألزم من يحفظ فى صدره علما بأن يعلم غيره , وكان الأسرى فى الحروب الإسلامية يقومون بتعليم المسلمين مقابل تسريحهم والإفراج عنهم , كما عنى الدين الإسلامى بفتح المدارس وتعليم الفقراء والأيتام وعنى بالمكتبات .
7-      الرعاية الطبية : وتشمل توفير العلاج ونفقات الأغدية والأغطية والأثاث ومايلزم المريض وأسرته خلال فترة المرض مع التكفل بكل المستلزمات , ,وإذا توفي المريض يرعى أسرته من قبل بيت المال .
8-      الوقف الخيرى : وهو حبس جزء من الملك عن التصرف فيه بالبيع , أو الهبة , أو الوراثة ويستغل الإيراد على الصرف فى أحد أوجه البرو الخير , كالإنفاق على الفقراء والمساكين والشيوخ والعجزة , أو الأيتام أو الأرامل , وعلى المستشفيات أو المدارس التى تحفظ القرآن وتعلم النشء .
9-      الأمومة والطفولة :لقد حرم الإسلام الإجهاض وخص الأم بحضانة الطفل , وعلى الوالد أن يتكفل بحضانة أبنه مالياً فى غير منزله فى حالة طلاق أمة .
قال تعالى : " ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولاتقربواالفواحش ما ظهر منها وما بطن ولاتقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلمك تعقلون ".سورة الأنعام الآية 152 .
وقد سارت الدولة الإسلامية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم على النهج الذى وضعه , فقد استمر أبوبكر الصديق فى تنفيذ التكافل الاجتماعي وفى عهد أبي بكر شملت الرعاية الاجتماعية أهل البلاد المفتوحة من غير المسلمين, فقد نصت معاهدة الصلح مع أهل الخير المسيحيين على أن بعض المسنين والمرضى والفقراء من دفع الجزية , بل وأنفق عليهم وعلى أولادهم من بيت مال المسلمين , وقد أنشأ عمر الخطاب الدواوين المقيدة بها أسماء المشمولين بقوانين التكافل الاجتماعى , كما توسع فى تطبيق نظام التكافل الاجتماعى على غير المسلمين .
وهكذا نلاحظ من عرضنا لمظاهر الرعاية الاجتماعية فى الديانات السماوية كيف كانت جميع هذه الديانات تحمل فى جوهرها ثورات إنسانية , تهدف إلى تنظيم العلاقات الإنسانية , كماتعمل على تغيير الأوضاع السيئة التى كان يعاني منها البشر , ويربط الرعاية الاجتماعية بالديانات السماوية جعلها مسؤولية اجتماعية لايمكن التهرب منها , بل وأعطى لها القوة والمسؤولية لكي تصبح حقا من حقوق البشر فى المطالبة بها باعتبارها جزء من الإيمان والامتناع عن تلبية هذا الحق يعنى الكفر والعصيان.

المراجع
1-       محمد مصطفى أحمد وأخرون , مقدمة فى الرعاية والخدمة الاجتماعية. الاسكندرية , سلوم حكيم مرعي 1993
2-       عبد المحي محمود صالح , الرعاية الاجتماعية. الاسكندرية , دار المعرفةالجامعية, 1999
3-       محمد سيد فهمى , مدخل إلى الرعاية الاجتماعية . الاسكندرية:المكتب الجامعى الحديث ,1998 .
4-       سيد أبوبكر حسانين , مقدمة فى الخدمة الاجتماعية. .طرابلس: مطبعة الجلاء1974 .    

هناك 7 تعليقات: