الأحد، 22 يناير 2012

أهمية تحديد المفاهيم والمصطلحات في خطة البحث

إذا كانت الرموز والمصطلحات في مجال العلوم الطبيعية تتسم غالبا بالثبات والحصر والوضوح، فإن الأمر في العلوم الاجتماعية على خلاف ذلك. فالعلوم الاجتماعة تعج بالعديد من المفاهيم والمصطلحات التي تتباين، وتعدد التعريفات والتصورات التي تعطى لها باختلاف المواقع الإيديولوجية والمذاهب السياسية، والمدارس الفكرية. فالمفهوم الواحد يكون له أكثر من تعريف، الأمر الذي يخلق الفوضى والاضطراب أحيانا في البحث الاجتماعي.
إن المفهوم (concept) الذي هو أساس لغة التعامل الإنساني ووسيلة الإنسان للتعبير عن أفكار وحالات وأوضاع محدَّدة، يكتسي أهمية قصوى في عملية البحث الاجتماعي، فعن طريق هذا التحديد

يمكن للباحث أن يحصر المعلومات التي عليه جمعها، ويمكن أيضا للقارئ منذ البداية أن يعرف ماذا يقصد الباحث بهذا المفهوم أو ذاك. ذلك أن العديد من المفاهيم - كما ذكرنا - قد يكون لها أكثر من معنى أو يُعطى لها تفاسير مختلفة، مثلا مفاهيم الحرية أو الديمقراطية أو حقوق الإنسان في المجتمعات الديمقراطية لها دلالة تختلف عما هو موجود في المجتمعات ذات الحزب الواحد والأنظمة الديكتاتورية، ومفهوم البغاء في المجتمعات الإسلامية ليس له نفس الدلالة في المجتمعات غير الإسلامية، الخ.
ويرى بـوتومور أن المفاهيم تستخدم الآن «بمعان مختلفة.. والمفاهيم العديدة لم يتم ربطها، وتحقيق التكامل بينها عن طريق الوصف أو التفسير، يبدو في الحقيقة أن سوء الفهم في استخدام المفاهيم هو أحد مصادر الصعوبات. ولقد وجهت عناية خاصة في بعض المجالات الحديثة لتطوير «أطر المفاهيم» في علم الاجتماع، وخاصة تلك التي قام بها تالكوت بارسونس وزملاؤه، حين اتجهوا إلى تعريف المفاهيم أكثر من استخدامها في التفسير، وهذه ولاشك خطوة إلى الوراء، إذا ما قورنت بأعمال دوركايم وماكس فيبر، حيث قدم كلاهما بعض المفاهيم وحدَّدا معناها حينما حاولا تطوير نظريات تفسيرية».
عرف قاموس ويستر Webster المفهوم بأنه «لفظ عام يعبر عن مجموعة متجانسة من الأشياء، وهو عبارة عن تجريد للواقع بما يسمح لنا بأن نعبر عن هذا الواقع من خلاله». كما عرف المصطلح بأنه «الوسيلة الرمزية التي يستعين بها الإنسان للتعبير عن المعاني، والأفكار المختلفة بغية توصيلها لغيره من الناس».
إن المفهوم إذن تعبير عن أشياء متجانسة، دون أن يعني شيئا واحدا؛ فهو عبارة عن وصف تجريدي لوقائع ملحوظة، ولكنه لا يتحدث عن واقعة بعينها. مثلا عندما نقول نظام سياسي، فنحن هنا نقصد أي نظام سياسي دون تحديد، هل هُو نظام رئاسي أو نيابي، ملكي أو جمهوري، ديمقراطي أم ديكتاتوري، عادل أم ظالم؟ الخ. فمفهوم نظام سياسي مع أنه متفق على معناه العام، إلا أن كل شخص يملك تصورا ذهنيا خاصا عن شكل هذا النظام السياسي، وعليه، فإن لم يحدد الباحث الذي يستعمل هذا المفهوم منذ البداية أيا من الأنظمة السياسية يعني، فإنه يخلق إرباكا عند القارئ يؤثر على عملية البحث بمجملها. أيضا إذا أراد باحث مثلا أن يبحث في موضوع (المثقفون والتحولات الاجتماعية في العالم العربي)، فعليه أن يحدد ماذا يقصد بـ «المثقفون»، هل المثقف هو من يعرف القراءة والكتابة؟ وهذا تفسير واسع لمفهوم (مثقف) لأنه قد يشمل 70% من عدد سكان بعض المجتمعات، أم أن المثقف هو من يحمل شهادة جامعية؟ أم أن المثقف هو من يشارك في إنتاج ثقافة المجتمع؟ ثم على الباحث أن يحدِّد ماذا يقصد بالتحولات الاجتماعية، هل يقصد التغيير الاجتماعي الإصلاحي ضمن قواعد الشرعية القائمة؟ أم يقصد الثورات العنيفة في المجتمع؟
نفس الأمر عندما يريد باحث أن يبحث في (انحراف الأحداث وعلاقته بالتنشئة الاجتماعية). فيجب على البحث أن يحدد ماذا يقصد بالانحراف؟ ما هي الممارسات والأعمال التي تدخل ضمن مصطلح الانحراف؟ ماهي الممارسات والأعمال التي تدخل ضمن مصطلح الانحراف؟ وهل السلوك المنحرف هو الذي يعاقب عليه القانون أم أنه السلوك الذي يتناقض مع النظام العام والأخلاق العامة؟ الخ.
كما أن على الباحث أن يحدد من هم الأحداث؟ فهل الحدث هو من يقـل عمره عن سن الرشد؟ أم هو من يقل عمره عن اثني عشر سنة؟... الخ. أيضا عليه أن يحدد مفهوم التنشئة الاجتماعية.
والباحث في خطوته هذه يحول هذه المفاهيم من حالتها المجردة النظرية العامة إلى مفهوم إجرائي يمكن قياس أبعاده في الواقع.
وعند تحديد وتفسير المفاهيم التي يستعملها الباحث في بحثه عليه توخي الإيجاز دون إخلال بالمعنى، وأن يكون المعنى أو التفسير معبرا بوضوح ودقة عن المفهوم. كما يمكن للباحث إما أن يعرف المفاهيم تعريفا بنائيا، وذلك بتباين الخصائص البنائية والتركيبية للمفهوم والعناصر التي يتكون منها، أو تعريفا وظيفيا وذلك بإبراز الدور الاجتماعي الذي يؤديه المفهوم.
كما يجب على الباحث أن يبين المعاني المختلفة للمفهوم الواحد إن وجد أكثر من معنى، أو يتغير المعنى بتقدم الزمن، وهذه سمة من سمات المفاهيم الاجتماعية تعكس سلوك وظواهر اجتماعية تتبدل من وقت لآخر، لأن السلوك الإنساني بطبيعته سريع التبدل والتطور. كما يجب أن يرتبط المفهوم المستعمل بالتعريفات السابقة التي أعطيت له من قبل باحثين آخرين. وقد وضعت بعض التوجيهات التي تساعد الباحث على الوصول إلى تحديد دقيق للمفاهيم التي يستعملها في بحثه، أهمها:-

1- الرجوع إلى التعريفات السابقة والحالية للمفهوم.
2- عزل العناصر المشتركة والمتفق عليها في أغلب التعريفات.

3- صياغة تعريف مبدئي يتضمن المعنى الذي تجمع عليه أغلب التعريفات السابقة.
4 - إخضاع التعريف المصاغ للنقد الصارم للتأكد من صلاحيته ودقته.
5 - إدخال تعديلات نهائية علىالتعريف الجديد بناء على الانتقادات الموجهة له.
ويعتبر ستيوارت دود من أوائل الذين استعملوا التعاريف الإجرائية، وتعرف هذه الأخيرة بأنها التعبير بوضوح عن ظاهرة أو إجراء، ويمكن التحقق من صحته. ويتم استخدام هذه التعاريف الإجرائية في البحوث الاجتماعية، نظرا لصعوبة الاتفاق على مفاهيم أو تعاريف موحدة في العلوم الاجتماعية.
إبراهيم أبراش، البحث الاجتماعي. قضاياه، مناهجه، إجراءاته، مراكش، منشورات كليةالعلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، سلسلة الكتب، العدد 10-1994، صص. 174 - 176.
[/align

http://www.et-ar.net/vb/showthread.php?t=424

هناك 13 تعليقًا: