السبت، 17 مارس 2012

نشأة وتطور الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية


د. عائشة التاورغى
"أن الجذور الأولي لتطور فكرة الإحسان ورعاية الفقراء هي التي مهدت السبيل لنشأة وتطور الخدمة الاجتماعية كمهنة إنسانية في ظل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية معينة أثمرت عن بناء فكرى خاص يحمي النظام القائم ويحافظ على عناصره الأساسية ".

    "ولذلك فالخدمة الاجتماعية مهنة إنسانية معاصرة تعد ظاهرة حديثة العهد بالنشأة والتكوين ولكن ذلك لا يمنع من أن جذور هذه المهنة أو بوادرها الأولي تمتد في المجتمع الإنساني إلي الماضي البعيد حيث كانت الدوافع الدينية والإنسانية ومازالت،تلعب دوراً كبيراً في تقديم المساعدات للضعفاء والعجزة والمحتاجين من أفراد المجتمع".
    وهذا يعني أن العمل التطوعي الإنساني الذي امتازت به المجتمعات البشرية قديماً وحتى حديثاً يرجع في إبرازه وظهوره الدافع الإنساني والديني الذي امتازت به تلك المجتمعات آنذاك باعتبار أن العمل الإنساني كان فكرة إلي أن وصل إلي ما يسمي بمهنة الخدمة الاجتماعية.
    ومن تم فقد أسهمت الجهود التطوعية في نشأة وتطور الخدمة الاجتماعية يساعدها ويؤازرها في ذلك جهود هيئات الرعاية الاجتماعية التي شكلت في القرنيين الثامن والتاسع عشر في أوروبا حيث امتدت خدماتها للمتحاجين في تلك المجتمعات ومن هذا المنظور أيضاً بذل المتطوعون جهوداً مقدرة في الارتقاء بالعمل التطوعي من داخل تلك الهيئات الرعائية مما أضفى بعداً مثمراً في ترسيخ دعائم الخدمة الاجتماعية فيها ولعل هذا سيكون واضحاً من خلال عرضنا لمراحل تطور المهنة.   

العمل التطوعي من منظور التطور التاريخي لمهنة الخدمة الاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية
ـ المرحلة الأولي من الإحسان والعمل التطوعي إلي الممارسة المهنية 1915م: 
      تحظي هذه المرحلة بظهور وإبراز مهنة الخدمة الاجتماعية والتي تمثل أساسيات المهنة والمتمثلة في انتشار المؤسسات الاجتماعية المتخصصة والتي عرفت فيما بعد بمدارس الخدمة الاجتماعية ومن ضمن هذه المؤسسات (المؤسسة القومية لعلاج مرض السل والوقاية منه عام 1904م، المؤسسة الأمريكية للتشريع العمالي عام 1906م)، بالإضافة إلي الجمعيات الخيرية الأهلية مثل:(جمعية رعاية الأسرة وجمعية الإتحاد القومي للمحلات الاجتماعية عام 1911م وجمعية الفتيات الكشافة عام 1912م والجمعية الأمريكية للصحة والرعاية الاجتماعية عام 1914م).
    كما ساهمت هذه المرحلةً في نفس الوقت بتكوين لجان قوميين تهدف في الإشراف والمتابعة بمجالات الرعاية الاجتماعية المتنوعة، وغيرها من المجالات وكذلك رعاية الأحداث والمنحرفين ومن أمثلة تلك اللجان (اللجنة القومية للأطفال العاملين عام 1906م، اللجنة القومية للسجون عام 1909م العيادات الطبية عام1905م).
    أما عن المتطوعين فكان لهم النصيب الأكبر في القيام بالأعمال الخيرية والإنسانية والاجتماعية وهذا مما ساعد المتطوعين المدربين في إنجاز أعمالهم في مختلف مجالات الرعاية الاجتماعية والعمل التطوعي، وأيضاً امتازت هذه المرحلة بإنشاء هيئات التنسيق وتنظيم العمل بين المؤسسات الاجتماعية ومن أمثلة ذلك، مجلس مؤسسات الإحسان عام 1908م والمؤسسات الاجتماعية وهيئات التمويل المشترك عام 1913م.
     يتبين من المرحلة السابقة بأنها مثّلث آلية عمل منظمة من تأسيس مؤسسة اجتماعية وتشكيل لجان متخصصة فرق عمل،مكونة من مجموعة متطوعين مدربين لديهم استعداد لقيام ونجاح العمل الأهلي التطوعي.
  ومن ناحية أخرى أن مهنة الخدمة الاجتماعية مهنة لها قوامها وأهدافها ومبادئها وأنها ظهرت منذ القدم بصورة الرعاية الاجتماعية إلى خدمة الإنسان وخدمة ذاتية للناس، وهى أيضاً طورت نفسها عبر المراحل فهي طريقة إنسانية في مجال العمل الجماعي المنظم.

المرحلة الثانية/  ظهورها كمهنة (الانتقالية سنة 1915م – 1950):
    امتازت هذه المرحلة بظهور مهنة الخدمة الاجتماعية وإحداث النقلة النوعية، من مرحلة العمل التطوعي إلي مرحلة المهنة حيث تمّت الإشارة إلي ذلك علي ضوء ما جاء به ( أبراهام فلكسنر)، في المؤتمر القومي في عام 1915م بطرحه للتساؤل ألا هو (هل الخدمة الاجتماعية مهنة؟) فكان الغرض من هذا التساؤل هو توضيح بعض المعايير الخاصة لتطبيق مهنة الخدمة الاجتماعية و أبراز أهم مقوماتها المهنية والعمل المكثف على تدريب وإعداد الاختصاصيين الاجتماعيين والمدربين والمتطوعين بتكاتف جهودهم بعضهم ببعض.
    ففي عام 1929م تكونت اللجنة الدولية لمدارس الخدمة الاجتماعية لنظم المؤسسات والمدارس التعليمية لمدارس الخدمة الاجتماعية ومجالاتها و بها تحول المتطوع بالأعمال الخيرية إلى اختصاصي اجتماعي،كما تم انضمام عدد كبير من هؤلاء المدربين والاختصاصيين والمتطوعين في مجموعة دورات دراسية.
     وتدريبية فكان الهدف من تلك الدورات هو إلحاق الاختصاصين إلى أعلى مستوى من العلم لنيل درجة البكالوريوس والماجستير عام 1919م، كونت فيما بينها الجمعية الأمريكية لمدارس الخدمة الاجتماعية وفى عام 1923، تم ضم 13 مدرسة منها للجامعات.

المرحلة الثالثة / الاعتراف المهني للخدمة الاجتماعية (1950م – 1970م):
    امتازت هذه المرحلة بالاعتراف المهني للخدمة الاجتماعية وهذا مما يشجع الجمعيات المتخصصة والاتحاد والأمريكي للاختصاصيين الاجتماعيين علي تكوين مجلس تنظيمي يضم مجموعة من الجمعيات ومؤسسات الخدمة الاجتماعية.   
      وبالتالي تم تكوين مجموعة من الجمعيات الأهلية التي تسعي إلي تحقيقها العمل التطوعي وإرساء دعائم الخير ومن ضمن هذه الجمعيات، الجمعية الوطنية للاختصاصيين الاجتماعيين عام 1955م تكون مجلس يحتوي علي مدارس الخدمة الاجتماعية والجامعات، ففي عام 1956م أصبحت اللجنة الدولية لمدارس الخدمة الاجتماعية جمعية الدولية لمدارس الخدمة الاجتماعية فقامت بأعمالها الأهلية والتطوعية في سنة 1961م وأنشئت الجمعية الوطنية للاختصاصيين الاجتماعيين والتي هدفت بالممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية من منظور خدمة الفرد والجماعة والمجتمع. 

المرحلة الرابعة: من سنة 1970م – حتى الوقت المعاصر:
    ألقت هذه المرحلة اهتماما بالغاً لمهنة الخدمة الاجتماعية وكما حازت علي تطور كبير بإقرار الميثاق الأخلاقي للاختصاصيين الاجتماعيين عام 1979م، كما نص هذا الميثاق علي العمل وتشجيع الاختصاصي الاجتماعي، وتدعيمه معنوياً وألحقه بكافة الدورات الإرشادية والاجتماعية ذات علاقة بالمهنة، وأخلاقياتها والممارسة المهنية بطرق الخدمة الاجتماعية بالإضافة إلي ذلك أزداد الاهتمام بإنشاء ما يسمي( دائرة المعارف الخدمة الاجتماعية وقاموس الخدمة الاجتماعية)  الذي تصدرها الجمعية الوطنية للخدمة الاجتماعية، وكان الغرض من هذا الإنجاز هو العمل علي استمرارية الاهتمام بمهنة الخدمة الاجتماعية.
     وبالإضافة إلي هذا الجانب فكان للوسائل الإعلام جانباً كبير من ناحية أخرى، حيث تم إعداد جريدة خاصة للاختصاصيين الاجتماعيين عام 1998م التي تهتم بنشر الإخبار الاجتماعية والقضايا والمشكلات الاجتماعية والعمل علي كيفية معالجتها بتوظيف مهنة الخدمة الاجتماعية بطرقها الثلاث وبهذا ازدادت المؤتمرات العلمية التي هدفت في التعرف علي مفهوم الخدمة الاجتماعية والعمل علي إيجاد الحلول علي المستوى الفردي والجماعي والمجتمعي.
   بذلك يمكننا تلخيص بعض الاتجاهات الأساسية التي أمكنتا من نقل الرعاية الاجتماعية كمجال للعمل التطوعي إلي الخدمة الاجتماعية كمهنة في ميادين العمل التطوعي وتتمثل هذه الاتجاهات في الآتي :

ـ دور الرعاية الاجتماعية في مواجهة مشكلات الناس والعمل علي حل مشكلات التي يتعرض لها الفرد، فكان اتجاه الرعاية الاجتماعية يهدف إلى هذا المنوال فهذا هو مضمون الخدمة الاجتماعية كمهنة إنسانية حديثة تقوم علي أساس سليم من المعارف والقواعد العلمية والممارسة المهنية.
ـ الاتجاه الثاني هو اتجاه العمل في مجال الرعاية الاجتماعية من التطوع إلي التخصص، فلم يعد التطوع مجالاً للدافع الإنساني ولخدمة الإنسان ومعاونته، إنما أصبح عملاً مهنياً له تخصصاته العلمية ودراساته النظرية والتطبيقية
ـ  التحويل التدريجي في مسؤولية الرعاية الاجتماعية من القطاع التطوعي الأهلي علي القطاع الرسمي أو من مؤسسات وجمعيات خيرية إلي أجهزة في الدولة.
   
    وبهذا ظهرت الحاجة إلي عناصر متخصصة في مجال العمل التطوعي لتطبيق مناهج وطرق الخدمة الاجتماعية،ومن هنا أيضاً ظهر الحرص الشديد لدي الدولة في إنشاء الكليات والمعاهد والعليا والجامعات التي انظم لها العديد من الاختصاصيين الاجتماعيين والمتدربين لمسيرة العمل الاجتماعي المنظم.
 المراجع
1 ـ محمد سيد فهمي، الخدمة الاجتماعية (التطور- الطرق - المجالات)، دار النشرالوفاء،2007ف، ص16.
2 ـ الفاروق زكي يونس، الخدمة الاجتماعية والتغير الاجتماعي،عالم الكتب،القاهرة، ص ص 116ـ117.
3 ـ نزيهة على صكح ، نشأة الخدمة الاجتماعية وتطورها في المجتمع العربي الليبي، "دراسة تاريخية تحليلية" ، رسالة ماجستير غير منشورة ، أكاديمية الدراسات العليا ، ،سنة(2006-2007) ف، ص 71.
4 ماهر أبو المعاطي على وآخرون، مدخل الخدمة الاجتماعية ( مفاهيم- طرق- مجالات)، حلوان للنشروالتوزيع:2004 ف، ص ص41ـ51 .


هناك 6 تعليقات: