في الوقت الذي نرى فيه الدول غير الإسلامية تبالغ في تقديم الخدمات الطبية والرعاية الاجتماعية، وتقوم بتلبية الاحتياجات النفسية والبيولوجية والمعنوية لكبار السن، كما أن هذه الدول تمعن في الترويح عنهم وتخفف آلامهم، وزرع الأمل في قلوبهم فإن هذه الشريحة التي تشكل جيل الآباء والأساتذة والروادالأوائل لم تحصل على الحد الأدنى من حقوقها في العالم العربي لا سيما بعد انحسار العلاقات الاجتماعية والوفاء والتعاطف بين الأجيال السابقة والأجيال اللاحقة بفعل المتغيرات الدولية والمحلية وأساليب التربية والتنشئة الاجتماعية ووسائل الإعلام والتعليم والتثقيف وضغوط العولمة والمستجدات الدولية·والمسن هو من تتجه قوته وحيويته إلى الانخفاض، وتزداد معدلات تعرضه للإصابة بأمراض الشيخوخة، كما يزداد شعوره بالتعب والاجهاد لأقل مجهود، كما تقل مناعته وقدرته على بذل الجهد الجسماني مما يترك آثارا نفسية ضارة به نتيجة إحساسه بأنه لم يعد الشخص المنتج أو المطلوب في الحياة بل إنه أصبح يشكل عبئا على الأسرة والمجتمع بعد أن كان هو مصدرالعطاء وصاحب الكلمة المسموعة والرأي السديد·وقد اختارت لجنة خبراء منظمة الصحة العالمية العام 1972 سن الخامسة والستين ليكون بداية لكبار السن لأن هذا السن يتفق مع سن التقاعد في الغالبية العظمى من دول العالم، وهذا يعني أن مصطلح المسن يقصد به كل من تجاوز الخامسة والستين من العمر، وتقاعد عن العمل للشيخوخة وتدهورت حالته الصحية·
وقد أصبحت رعاية كبار السن علماً وفنا لا يقل عن رعاية الشباب والأطفال والمراهقين وتفيد الدراسات العلمية أن المسن في حاجة إلى نظام سليم يكفل له الأمن الاقتصادي والرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية والحصول على دخل مناسب ويكفل المشاركة في عمليات التنمية والاستفادة من خبرته في مجال تخصصه بما يتناسب مع إمكانياته الجسمية وقدراته العقلية حتى يستطيع أن يسهم في النشاط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وإذا كانت فئة المسنين في البلاد العربية من الشرائح العمرية التي لم تحظ باهتمام كاف سواء على مستوى الخدمات التي تقدم إليهم، أو على مستوى البحوث العلمية اللازمة لدراسة أحوالهم ومعرفة احتياجاتهم واستكشاف مشكلاتهم فإن هذا يعني أن هناك قصوراً ملحوظاً في الاهتمام بهذه الشريحة العمرية في العالم العربي وذلك في الوقت الذي تتزايد فيه نسبتهم إلى اجمالي عدد السكان·وفي الحقيقة أن العالم العربي يمر بتغيرات اجتماعية جذرية شهدت تحولاً متسارعاً في أوضاع الأسرة من الأسرة الكبيرة الممتدة إلى الأسرة النووية الصغيرة وفرضت تغيراً في النسق القيمي المنظم للعلاقات الاجتماعية والأسرية، وما استتبع ذلك من ضعف وفتور في شكل العلاقة بين الأجيال المتعاقبة مما أسفر عن تغييرات كبيرة تركت ظلالها على نمط ونوعية الحياة التي يحياها كبار السن حيث اتسعت دائرة الفراغ الاجتماعي المحيط بهم، كما ازداد شعورهم بالوحدة والعزلة واهتزاز الموقع القيادي للأسرة أو تراجع الحالة الصحية بحكم التقدم في العمر مع عدم القدرة على القيام بنشاط بدني ووجود فجوة في الرابط الاجتماعي داخل الأسرة العربية·وترتبط مشكلات المسنين في عدم إتاحة الفرصة لهم للمشاركة والتكيف مع الوضع الجديد الذي وجد المسن نفسه فيه فيشعر بالقلق على المستقبل والخوف من الانهيار والشعور بعدم جدوى الحياة، كما يشعر بالوحدة والعزلة والاغتراب مما يؤدي الى اليأس والاكتئاب والاضطرابات النفسية وعدم الثقة في قدراته كما يعاني من وجود فراغ كبير مقرون بقدرة محددة في استثماره إلى جانب الضعف العام والفراغ·وقد تابعت عن كثب من خلال عضوية في مجلس إدارة الجمعية القومية لصحة المسنين الظروف القاسية التي تعرضت لها هذه الفئة، ومبلغ المعانات التي تعايشها في ظل جحود الأبناء وغلاء في الأسعار وضعف ووهن وظروف نفسية وعصبية غير مواتية وإهمال وعمد اكتراث من مؤسسات المجتمع وتشير الإحصاءات الدولية إلى اختلال واضح في الهرم السكني في الدول الغربية المتقدمة بسبب الزيادة الكبيرة في أعداد المسنين حيث بلغت نسبتهم أكثرمن 20% من جملة عدد السكان في هذه الدول حيث بلغ المتوسط العام للأعمار في الولايات المتحدة 77.6 سنة مقابل 51.4 سنة في أفريقيا كما بلغ 74.1 سنة في أوروبا 67.9 في آسيا 70.4 في أميركا الجنوبية·ولقد ارتفعت نسبة المسنين في الدول العربية بمعدلات تستلفت الانتبهاه بفعل التوعية والتقدم في أساليب العلاج والمخترعات الدوائية والعلاجية وقد أوضح التقرير الذي أصدره المؤتمر الدولي للسكان والتنمية أن نسبة من تجاوزوا سن الستين في الدول العربية والنامية قد وصلت إلى 10% من جملة السكان ومن المتوقع أن تزاداد هذه النسبة بمعدلات كببيرة في المرحلة القادمة·وقد تصدرت الكويت البلاد العربية الأخرى في ارتفاع متوسط الأعمار حيث بلغت 76.7 سنة مقابل 49 سنة في ارتيريا وفي البحرين 73.8 وفي السعودية 72.9 سنة وفي الإمارات العربية 75.8 سنة وفي مصر 66.6 سنة مما يدل على أن متوسطات الأعمار ترتفع هي الأخرى في البلاد العربية التي تتمتع بدخول مرتفعة وتتوافر فيها خدمات صحية واجتماعية متقدمة·أما في الدول المتقدمة في غرب أوروبا والولايات المتحدة واليابان فان نسبة المسنين تزيد عن ذلك كثيراً نتيجة الانخفاض المستمر في معدلات الخصوبة المصحوب بانخفاض معدلات الوفيات والتقدم الطبي الذي أدى إلى القضاء على كثير من الأمراض التي كانت تصيب كبار السن في الماضي وتشكل هذه الزيادة في أعداد كبار السن في هذه الدول واحدة من أبرز الظواهر الاجتماعية الحديثة التي استرعت اهتمام الكثير من الباحثين والخبراء وصناع القرار في هذه البلاد، ولم تعد النظرة إلى كبار السن في هذه المجتمعات نظرة شفقة أو تصدق أو عطف ولكنها حقوق أساسية كفلها لهم القانون لا سيما بعد أن تعقدت العلاقات الإنسانية حتى لم تعد هذه الشريحة تجد من يهتم بها أو يحفل بقضاياها أو يسهر على راحتها لا سيما أن الدافع الديني ليست له فاعلية تذكر في الاهتمام بهؤلاء المسنين في المجتمعات الغربية·وإذا كانت الدول العلمانية التي تؤمن بعقائد وضعية تولي اهتماماً كبيراً بصحة المسنين وتأخذ على عاتقها دراسة أحوالهم من منظور إنساني وحضاري فإنه أولى بالبلاد العربية والإسلامية أن تهتم بهم وتمعن في رعايتهم والعناية بهم كواجب ديني فرضه الله على المسلمين فليس الإسلام مجرد شعائر ومناسك وطقوس، ولكنه دين الإنسانية بكل معانيها، وهو الذي اهتم بالأطفال والنساء والمرضى والعجزة ذلك أن هذا الدين حرص كل الحرص على احترام الإنسان والحفاظ على حقوقه ودرء الخطر عنه لا لشيء إلا لكونه إنسانيا كرمه الله ورفع قدره على سائر المخلوقات وأكد على حقوق الكبار والصغار والعبيد والأماء، فهو خليفة الله على هذه الأرض ولذا وجب تكريمه كما كرمه الله في القرآن الكريم حين قال: (ولقد كرمنا بني آدام وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) . وقد أوصى الأبناء بالآباء، ولكنه لم يوص الآباء بالأبناء لأن الأب يتفانى في رعاية أبنائه بالفطرة ولو على حساب حاضره ومستقبله وفي ذلك يقول عز وجل: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)وتأسيسا على ذلك فإنه يقع على الأبناء عبء كبير في توفير الرعاية والعناية والتعاطف نحو آبائهم وأمهاتهم لأن الأب لا تتحقق له السعادة والإشباع النفسي والطمأنينة القلبية إلا إذا شعر بأن أبناءه وبناته بارون به ومتعلقون به وحريصون على راحته ومهتمون بمصالحه لأن الأب المسن والأم المسنة لا يستطيعان الاستغناء عن مودة وتعاطف وحنان أبنائهما·كما أنه تقع على الأجهزة التنفيذية والشعبية والبحثية مسؤولية رعاية المسنين في المجتمع العربي لا سيما بعد أن تغيرت شبكة العلاقات الاجتماعية وحلت الأسرة الزوجية الصغيرة محل الأسرة الكبيرة والعائلة والقبيلة، كما أنه من الأهمية بمكان اقامة الدور الخاصة برعاية المسنين بعد أن تغيرت ظروف المجتمع وانفرط عقد الأسرة الكبيرة·وفي الحقيقة أن دراسة أحوال المسنين وزيادة الاهتمام بهم في عالمنا العربي يمكن أن يشكلا حجر الزاوية في أي خطة تنموية والاستفادة بخبراتهم وتجاربهم وحكمتهم في معالجة قضايا المجتمع، ويضع الأمة في عداد الأمم المتحضرة·
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق