الأحد، 11 سبتمبر 2011

القرآن الكريم وإدعاءات التمييز بين الرجل والمرأة



رغم إنصاف القرآن الكريم للمرأة، وهو ما يبدو جليًا في آياته المؤكدة على حقوقها وإنسانيتها ومكانتها وعلو منزلتها، باعتبارها كائنًا مستقلاً، يلعب دورًا أساسيًا لنهوض وإصلاح المجتمع، فإنه يُنظر إليها من قبل البعض نظرة الكائن الضعيف الأقل شأنًا من الرجل، الذي في حاجة دائمة لقوته وسيادته التي منُحت له حسب أراء وتفسيرات البعض من غير المختصين للآيات القرآنية.

وعلى ما يبدو أن تلك السيادية والسلطوية جاءت إما بناءً على أمزجتهم الشخصية، التي غالبًا ما تبعد كل البعد عن التفسير والمعنى الحقيقي المراد إيضاحه من السياق النصي للآية ككل، أو أنها تفسيرات صحيحة تم فهمها بطريقة خاطئة من قبل عامة القوم، مما أنتج بعض السلوكيات التي رسخت مع مرور الزمن الفكر الذكوري وطبعت العقول على أن القرآن الكريم ميز الرجل عن المرأة، حتى أصبح من الصعوبة إعادة تحويل تلك العقول إلى التفسير الصحيح الذي تحتويه معاني الآيات، لاسيما وأن الغالبية العظمى من الرجال يفضلون هذه التفسيرات التي تأتي في صالح إرضاء الصفة الذكورية والسيادية لديهم.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، الآية الكريمة (فلمّا وضعتها قالت ربّ إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى) سورة آل عمران آية (36)، تلك الآية ينظر إليها البعض، على أن الله عز وجل أصطفى الذكور على الإناث، مستندين في ذلك إلى النصف الثاني من الآية (وليس الذكر كالأنثى)، وهذا بالطبع مخالف لتفسيرها الصحيح، وهو ما أكده الشيخ "الطبري" رحمة الله عليه في العديد من تفسيراته، إذ يرى أن هذه الآية جاءت على لسان امرأة عمران، فهي عبارة عن خطاب موجه إلى المولى عز وجل، يحمل في طياته إشارة إلى ما كان عليه وضع المرأة في المجتمعات اليهودية الأولى، حيث كان يُنظر إلى المرأة وقتها على أنها شيء نجس.. وإنها إذا أنجبت أنثى تتضاعف نجاستها.. وإذا أنجبت ذكرًا تتلاشى هذه النظرة.


ووفقًا لتلك النظرة اليهودية ُتمتنع الأنثى من الاقتراب للأماكن المقدسة، لذا عندما أنجبت امرأة عمران السيدة "مريم" تيقنت تمامًا من إبعادها عن الأماكن المقدسة، علمًا بأنها كانت تهب مولودها لخدمة الأماكن المقدسة، وعند استكمال بقية الآية نجدها تؤكد علو ومنزلة المرأة في الإسلام، إذ تقول بقية الآية "فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتًا حسن"، وبالتالي فالآية مقصود منها نفي التماثل بين الذكر والأنثى في التأهيل لخدمة المعبد ولا صلة لها بالتمييز ضد المرأة.
وكذلك الآية الكريمة (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء)، ففكرة أن وزن شهادة المرأة نصف وزن شهادة الرجل على الدوام فكرة وهمية، ذلك أن نص الآية وارد على شهادة التحمل وليس شهادة الأداء، وواردة أيضًا على شهادة توثيق الدين، والتي قاس عليها العلماء توثيق المعاملات المالية الأخرى، وبالنسبة لشهادة الأداء نجد أن الأحكام الفقهية التي نظمتها كان مصدرها المباشر هو الاجتهاد وليس النص، وبالتالي فهي تخضع لعبارات مختلفة، ومثال ذلك الحالات التي تقبل فيها شهادة امرأة واحدة ولا تقبل فيها شهادة الرجل.
أما عن أن دية المرأة نصف دية الرجل، فهي ليست لها علاقة بالتمييز ضد المرأة؛ إذ أن المنتفع بالدية ليس الميت أو الميتة، بل المنتفع هو الوارث عنه أو عنها، وإذا لوحظ معنى التعويض عن الضرر المادي عن الضرر في تشريع الدية، فإن العدل يوجب التمييز بين الأضرار، بحسب أثرها على المضرور، وهذا حال كل الشرائع السماوية.. ولا شك أن الضرر المادي الذي يلحق بالورثة بموت مورثهم؛ إذ كان رجلاً في الغالب أكبر منه، إذا كان الميت امرأة؛ لآن الغالب أن الموروث يكون هو العائل للورثة والأحكام الشرعية والقاتنونية غالبًا ما تبنى على الغالب، وفي ضوء ذلك يتضح أن الدية عندما يكون المنتفع هو المصاب نفسه أي عندما تكون جزئية كدية الأعضاء فإن الأمر يختلف حينئذ وتتساوى دية المرأة والرجل إلى حدود وصور يختلف إلى حدًا كبير اجتهاد الفقهاء في تعيينها.


ويختلف المفسرون في المقصود بقوله تعالى "وللرجال عليهن درجة" حيث ذهب بعض المفسرين إلى القول بأن الآية تعني الإمرة والطاعة، في حين يرى أخرون أن المراد بها هو أفضال الرجل على المرأة وأداء حقها إليها وصفحة عن الواجب له عليها أو عن بعضه.


وقد أشار الطبري أن أولى هذه الأقوال ما قاله ابن عباس وهو أن الدرجة التي ذكرها المولى عز وجل وتعني الصفح من الرجل لامرأته عن بعض الواجب له عليها، واغضاؤه لها عنه، وأداء كل الواجب لها عليه.


والدليل على ذلك أنه قال وللرجال عليهن درجة عقب قوله "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" فأخبر أن على الرجل من ترك ضرارها في مراجعته إياها في أقرائها الثلاثة وفي غير ذلك من أمورها وحقوقها مثل الذي عليها من ترك ضراره في كتمانها إياه ما خلق الله في أرحامهن وغير ذلك من حقوقه، ثم ندب الرجل إلى الأخذ عليهن بالفضل فقال "وللرجال عليهن درجة" بتفضلهم عليهن وصفحهم لهن عن بعض الواجب لهم عليهن، ويبدو أن هذا المعنى هو أيضًا ما قصده ابن عباس بقوله ما أحب أن أستنظف جميع حقي عليها؛ لأن الله عز وجل يقول " وللرجال عليهن درجة" ومعنى الدرجة الرتبة والمنزلة، وهذا القول من المولى عز وجل وإن كان ظاهره خبرًا فمعناه ندب الرجل إلى الأخذ على النساء بالفضل ليكون لهم عليهن فضل درجة.


وفي نفس السياق يقول الشيخ "سيد قطب" في تفسيره للآية ذاتها، أحسب أنها مقيدة في هذا السياق بحق الرجال في ردهن إلى عصمتهم في فترة العدة وهي درجة مقيدة في هذا الموضع وليست مطلقة الدلالة كما يفهمها الكثيرون ويستشهدون بها في غير موضعها، على أنه إن قيل أن نص الآية الكريمة ليس خاصًا بحالة الفرد في فترة العدة، بل هو عام يحكم العلاقة بين الزوجين، وإذا تجاوزنا المعنى الذي أختاره الطبري، فالظاهر أن المقصود بالدرجة "القوامة" وعلى كل الأحوال فليس في الآية ما يتضمن التمييز ضد المرأة.


كما يلاحظ في هذه الآية أن هناك فرقًا في التعبير وبالتالي في المعنى بين أن يقال "بما فضل الله بعضهم على بعض" وأن يُقال بما فضل الله الرجال على النساء، فقوله "بما فضل الله بعضهم على بعض" يحتمل أن يكون المراد منه بما فضل الله بعض الرجال على بعض النساء، وهو الغالب في الصفات المؤهلة للإمرة في الأسرة وتحمل مسؤولية الإنفاق عليها والرعاية لها، كما يحتمل اللفظ أن يكون المراد بما تميز به كل من الجنسين من ميزات توجب أن تكون القوامة للرجال بمعنى أن ما فضل الله به الرجال من صفات وما فضل الله به النساء من صفات جعل الرجل أكثر أهلية لقيادة الأسرة وجعل المرأة أكثر أهلية لإدارتها "الرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها".
وعلى كل فإذا قلنا أن القوامة هي الإمرة فإن هذا بالطبع يوجب الطاعة على المأمور ولكن الطاعة كما هي الطاعة في حالة كل أمير مجتمع صغير أو كبير ليس طاعة مطلقة وإنما هي الطاعة بالمعروف، الأمر الذي ورد في حديث الحكم لبن عمرو الغفاري " إنما الطاعة بالمعروف" وهذا الحديث صحيح، وأيضًا قوله تعالى في بيعة النساء للنبي صلى الله عليه وسلم "ولا يعصينك في معروف" حيث قال المفسرون علم الله أن نبيه لن يأمر بغير المعروف ولكن أرد أن يعلم الأمراء أن طاعتهم غير مطلقة، والواضح أن الطاعة المطلقة في التشريع الإسلامي من خصائص الإلهية، وقد روت الأحاديث الصحيحة بترغيب المرأة في طاعة زوجها وتحذيرها من معصيته وكلها مقيدة كما أشير بأن تكون الطاعة بالمعروف.


وأخيرًا فالإمرة والطاعة لا تعني الاستبداد والخضوع سواء في المجتمع الكبير أو الصغير بل إن الشورى يجب أن تطبق في كل مجتمع بما في ذلك مجتمع الأسرة الذي هو النواة الأصلية في المجتمع ككل "وأمرهم شورى بينهم" بل الأكثر من ذلك أن القرآن الكريم نص على أنه حتى بعد انفصام علاقة الزوجية يكون فطام الرضيع برضا وتشاور من الوالدين "فإن أراد فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما".


       نقلاًعن مهدي حسانين
http://www.grenc.com/show_article_main.cfm?id=13821

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق